بدلا من فرض عقوبات ضد اسرائيل التي اقترف جيشها المدجج بالسلاح منذ ايام قليلة مذبحة بشعة في المياه الدولية ضد دعاة السلام، في اسطول الحرية، الذين حملوا موادا غذائية وطبية لأبناء غزة المحاصرين، وبدلا من تشكيل لجنة دولية للتحقيق فى الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين العزل يصدر مجلس الامن قرارا جديدا ينص علي فرض عقوبات اقتصادية على ايران .
صدر القرار 1929 بإجماع دولي ورفض تركي برازيلي وصمت عربي عندما امتنعت المجموعة العربية ممثلة بلبنان عن التصويت على القرار. لقد اراد العرب بصمتهم وامتناعهم عن التصويت تغييب انفسهم وترك منطقتهم ومستقبلهم لعبة في ايدي الاخرين، اراد العرب ان يكونوا مثل النعامة تدفن رأسها في التراب.
هذا القرار الجائر الذي يدعمه الصمت العربي يهدف الي تغطية الجرائم الاسرائيلية ضد الانسانية، ويهدف الي حماية امن اسرائيل النووية وضمان بقاء التكنولوجيا النووية حكرا عليها، كما يهدف الي خلق المزيد من الاضطرابات في المنطقة الملتهبة اساسا، بفعل الازدواجية الغربية وخاصة في ما يتعلق بمسألة الحد من انتشار الاسلحة النووية التي تُتخذ دائما ذريعة لفرض عقوبات علي ايران وتتجاهل الترسانة النووية الاسرائيلية.
كان الامل ان يستفيد العرب من الظروف الراهنة والورطة التي تمر بها اسرائيل عقب مجزرة الحرية وان يحسنوا استخدام الورقة الايرانية ضد الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وضد السياسات الإسرائيلية العدوانية.
لقد اثلج مجلس الامن صدر اسرائيل بمعاقبة ايران علي ذنب لم تقترفه، وبضمان بقاء الدولة العبرية القوة النووية الوحيدة في المنطقة، بدلا من معاقبتها علي جرائمها المتلاحقة واعتدائها الوحشي على أسطول الحرية وقتلها الأبرياء المدنيين وتجويعها الشعب الفلسطينى المحاصر فى قطاع غزة.
لقد كان من الاحري دراسة الموقف العربي الممثل في لبنان قبل التصويت علي هذا القرار الجائر، فلم يعد للصمت مكان في هذا العالم، فلا بديل عن الافعال، العالم لم يعد يعير الصامتين ادني اهتمام. في المقابل، كان الموقف التركي البرازيلي حاسم مع اسرائيل عندما رفضت تركيا والبرازيل فرض عقوبات علي ايران ورفضتا كافة أشكال التسلح النووي في المنطقة. كما أبدت تركيا صرامة مع اسرائيل عندما قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو عقب المجزرة الاسرائيلية "إن لم تفرج اسرائيل عن كافة مواطنينا وكافة النشطاء في قافلة الحرية في غضون 24 ساعة سنعيد النظر كليّاً في علاقاتنا مع إسرائيل". وبالفعل اطلقت اسرائيل سراح جميع النشطاء ممن كانوا على متن سفن أسطول الحرية. بهذا الحسم استطاعت تركيا ان تردع اسرائيل.
وكان بامكان العرب ايضا ان يردعوا اسرائيل ومن يدعمها بكل ما يمتلكون من مقومات لا يحسنون استغلالها. العرب بامكانهم ان يكونوا قوة مؤثرة في الحسابات الدولية بما يمتلكون من تاريخ وحضارة وموقع جغرافي ولغة مشتركة وثروات لا حصر لها ولا عد ، بامكانهم ان يصبحوا قوة فاعلة بنبذ التشرذم والصراعات الاقليمية في المنطقة العربية، بامكانهم ان يصبحوا قوة مؤثرة بالديموقراطية، وبنبذ الخلافات السياسية بين الحكام العرب، وبفتح الحدود بين البلدان العربية.
لقد ابتهج الاسرائيليون بالقرار فرحب بنيامين نيتانياهو بقرار مجلس الأمن الدولي وبفرض عقوبات جديدة على إيران، معتبرا أن ذلك القرار يوضح لايران أن الدول الكبرى المنحازة لاسرائيل تعارض مشروعها النووي وترى أنه أكبر خطر على السلام في العالم، كما وصف ليبرمان وزير الخارجية القرار بأنه رسالة من الأسرة الدولية لايران.
إسرائيل علي يقين أن البرنامج النووي الإيراني سيكون موجّهاً اساسا ضدها، وهذا ما يدفعها إلي تشديد الخناق علي ايران مستفيدة بالطبع من الصمت العربي ومن الازدواجية الدولية في التعامل مع قضايا المنطقة، تلك الازدواجية التي لا يحسن العرب ردعها او التعامل معها.
يجب ان يستثمر العرب اللحظات الحرجة التي تعيشها اسرائيل بعد اراقة دماء شهداء الحرية و بعد تصدّع العلاقات الإسرائيلية التركية والصحوة التي يعيشها الشارع التركي الرافض للأعمال الوحشية الاسرائيلية والرافض لاستمرار الحصار على غزة، يجب أن يفيق العرب من سباتهم ليثبتوا للعالم انهم موجودون.